وروي أن بعض مشايخ الصوفية خرج على أصحابه ,وكانوا أربعين رجلا وقد أقاموا ثلاثة أيام لم يفتح لهم بطعام ،فقال لهم :يا قوم !إن الله قد أباح التسبب للعباد ؛ فقال تعالى :"فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه" (تبارك:15)؛ فانظروا من يخرج منها فليأتينا بشئ ،قال :فخرج فقير فمشى في جانبي بغداد فلم يجد من يسأله في شئ، فأخذه الجوع والتعب،فجلس على دكان طبيب نصرانى والناس عليه خلق عظيم يصف لهم الدواء.فقال له النصراني :ما بك ؟فلم يرد أن يشكو إلى نصراني حاله،بل مد يده إليه ،فمسّ يده .فقال النصراني عند ذلك:هذه علة أنا أعرف دواءها ؛يا غلام!امض إلى السوق وائتني برطل خبز ورطل شواءورطل حلواء. فقال الفقير:فهذه العلة بأربعين رجل. فقال:يا غلام!ائتني بأربعين مثل ذلك.فأتى الغلام بذلك.فسلمه النصراني إلى الفقير،وقال:خذ لمن ذكرت .فأخذمعه الحمال ومضى معه إلى الدوايروقام النصراني يختبر الفقير .فلما أتى الدويرة وقف خارجا منها خلف صاق ،حتى دخل الفقير فوضع الطعام ،واجتمع الشيخ والفقراء.
وقدموا الطعام، فأمسك الشيخ عن الطعام ،وقال:ماقصة هذا الطعام؟فحكى له القصة بأكملها.فقال الشيخ:أترضون أن تأكلوا طعام نصراني،وصلكم به دون مكافأة؟قالوا:ما المكافأة؟ قال: تدعون الله له قبل أكل طعامه بالنجاة من النار ،فدعوا له وهو يسمع. فلما رأى النصراني إمساكهم عن الطعام مع حاجتهم إليه،وسمع ما قال الشيخ، قرع الباب،ففتح له،وقطع الزنار وقال:أشهد أن لاإله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.
من كتاب:130 حكايه وحكايه من أخبار التائبين لابن قدامة المقدسي .